الكبيرة الثالثة عشرة : أكل مال اليتيم و ظلمه
قال الله تعالى : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيراً " ، و قال الله تعالى : " و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده " .
و " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في المعراج : فإذا أنا برجال و قد وكل بهم رجال يفكون لحالهم ، و آخرون يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها بأفواههم و تخرج من أدبارهم . فقلت : يا جبريل من هن هؤلاء ؟ قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً " رواه مسلم .
و " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يبعث الله عز و جل قوماً من قبورهم تخرج النار من بطونهم تأجج أفواههم ناراً ، فقيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : ألم تر أن الله تعالى يقول : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً " " .
و قال السدي رحمه الله تعالى : يحشر آكل مال اليتيم ظلماً يوم القيامة و لهب النار يخرج من فيه و من مسامعه و أنفه و عينه كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم .
قال العلماء : فكل ولي ليتيم إذا كان فقيراً فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه و تنمية ماله فلا بأس عليه ، و ما زاد على المعروف فسحت حرام لقول الله تعالى : " و من كان غنياً فليستعفف و من كان فقيراً فليأكل بالمعروف " .
و في الأكل بالمعروف أربعة أقوال : أحدهما : أنه الأخذ على وجه القرض و الثاني : الأكل بقدر الحاجة من غير إسراف ، و الثالث : أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم عملاً ، و الرابع : أنه الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه و إن لم يوسر فهو في حل . و هذه الأقوال ذكرها ابن الجوزي في تفسيره .
و في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار بالسبابة و الوسطى و فرج بينهما " . و في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم قال : " كافل اليتيم له أو لغيره أنا و هو كهاتين في الجنة و أشار بالسبابة و الوسطى " .
كفالة اليتيم هي القيام بأموره و السعي في مصالحه من طعامه و كسوته و تنمية ماله إن كان له مال ، و إن كان لا مال له أنفق عليه و كساه ابتغاء وجه الله تعالى و قوله في الحديث : له أو لغيره ـ أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبياً منه ، فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه ، و الأجنبي من ليس بينه و بينه قرابة .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من ضم يتيماً من المسلمين إلى طعامه و شرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله له الجنة إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر " و قال صلى الله عليه و سلم : " من مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة ، و من أحسن إلى يتيم أو يتيمه عنده كنت أنا و هو هكذا في الجنة " .
و قال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه : أوصني بوصية . قال : ارحم اليتيم و أدنه منك و أطعمه من طعامك ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه رجل يشتكي قسوة قلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أردت أن يلين قلبك فادن اليتيم منك و امسح رأسه و أطعمه من طعامك ، فإن ذلك يلين قلبك و تقدر على حاجتك .
و مما حكي عن بعض السلف قال : كنت في بداية أمري مكباً على المعاصي و شرب الخمر ، فظفرت يوماً بصبي يتيم فقير فأخذته و أحسنت إله و أطعمته و كسوته و أدخلته الحمام و أزلت شعثه ، و أكرمته كما يكرم الرجل ولده بل أكثر فبت ليلة بعد ذلك فرأيت في النوم أن القيامة قامت و دعيت إلى الحساب ، و أمر بي إلى النار لسوء ما كنت عليه من المعاصي ، فسحبتني الزبانية ليمضوا بي إلى النار و أنا بين أيديهم حقير ذليل يجروني سحباً إلى النار ، و إذا بذلك اليتيم قد اعترضني بالطريق ، و قال : خلو عنه يا ملائكة ربي حتى أشفع له إلى ربي ، فإنه قد أحسن إلي و أكرمني . فقالت الملائكة : إنا لم نؤمر بذلك ، و إذا النداء من قبل الله تعالى يقول : خلوا عنه فقد وهبت له ما كان منه بشفاعة اليتيم و إحسانه إليه . قال : فاستيقظت و تبت إلى الله عز و جل ، و بذلت جهدي في إيصال الرحمة إلى الأيتام و لهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم : خير البيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه ، و شر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه ، و أحب عباد الله إلى الله تعالى من اصطنع صنعاً إلى يتيم أو أرملة . و روي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم ، و كن للأرملة كالزوج الشفيق ، و اعلم كما تزرع كذا تحصد : معناه أنك كما تفعل كذلك يفعل معك ، أي لا بد أن تموت و يبقى لك ولد يتيم أو امرأة أرملة . و قال داود عليه السلام في مناجاته : إلهي ما جزاء من أسند اليتيم و الأرملة ابتغاء وجهك ؟ قال : جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي . معناه ظل عرشي يوم القيامة.
و مما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة و اليتيم عن بعض العلويين ـ و كان نازلاً ببلخ من بلاد العجم و له زوجة علوية و له منها بنات و كانوا في سعة و نعمة ، فمات الزوج و أصاب المرأة و بناتها بعده الفقر و القلة ، فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء ، و اتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة ، و مضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين : جمع على رجل مسلم و هو شيخ البلد ، و جمع على رجل مجوسي و هو ضامن البلد . فبدأت بالمسلم و شرحت حالها له ، و قالت : أنا امرأة علوية و معي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة ، و أريد الليلة قوتهم . فقال لها : أقيمي عندي البينة أنك علوية شريفة . فقالت : أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها ، فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي فشرحت له حالها ، و أخبرته أن معها بنات أيتام و هي امرأة شريفة غريبة ، و قصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام و أرسل بعض نسائه ، و أتوا بها و بناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام ، و ألبسهن أفخر اللباس و باتوا عنده في نعمة و كرامة . قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت ، و قد عقد اللواء على رأس النبي صلى الله عليه و سلم ، و إذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ و الياقوت و فيه قباب اللؤلؤ و المرجان ، فقال : يا رسول الله لمن هذا القصر ؟ قال لرجل مسلم موحد . فقال : يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد .
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أقم عندي البينة أنك مسلم موحد . قال : فبقي متحيراً فقال له صلى الله عليه و سلم : لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة أنك علوية ، فكذا أنت أقم عندي البينة أنك مسلم : فانتبه الرجل حزيناً على رده المرأة خائبة ، ثم جعل يطوف بالبلد و يسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسي ، فأرسل إليه فأتاه فقال له : أريد منك المرأة الشريفة العلوية و بناتها . فقال : ما إلى هذا من سبيل و قد لحقني من بركاتهم ما لحقني . قال : خذ مني ألف دينار و سلمهن إلي ، فقال لا أفعل فقال : لا بد منهن . فقال : الذي تريده أنت أنا أحق به و القصر الذي رأيته في منامك خلق لي . أتدل علي بالإسلام ؟ فوالله ما نمت البارحة أنا و أهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية ، و رأيت مثل الذي رأيت في منامك ، و قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : العلوية و بناتها عندك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : القصر لك و لأهل دارك و أنت و أهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمناً في الأزل . قال : فانصرف المسلم و به من الحزن و الكآبة ما لا يعلمه إلا الله . فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة و الأيتام نا أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا !
و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " الساعي على الأرملة و المساكين كالمجاهد في سبيل الله " . قال الراوي أحسبه قال : " و كالقائم لا يفتر و كالصائم لا يفطر " ، و الساعي عليهم هو القائم بأمورهم و مصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى . وفقنا لله لذلك بمنه و كرامه أنه جواد كريم رؤوف غفور رحيم .
الاستطالة على الضعيف و المملوك و الجارية و الزوجة و الدابة
الكبيرة الحادية و الخمسون : الاستطالة على الضعيف و المملوك و الجارية و الزوجة و الدابة
لأن الله تعالى قد أمر بالإحسان إليهم بقوله تعالى :
" و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئاً و بالوالدين إحساناً و بذي القربى و اليتامى والمساكين و الجار ذي القربى و الجار الجنب و الصاحب بالجنب و ابن السبيل و ما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً " .
قال الواحدي : في قوله تعالى " و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئاً " : أخبرنا أحمد بن إبراهيم المهرجاني بإسناده " عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم على حمار ، فقال : يا معاذ ، لبيك و سعديك يا رسول الله . قال : هل تدري ما حق الله على العباد و ما حق العباد على الله ؟ قلت : الله و رسوله أعلم ، قال : فإن حق الله على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئاً ، و حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً " .
و " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم أعرابي فقال : يا نبي الله أوصني ، قال : لا تشرك بالله شيئاً و إن قطعت و حرقت ، و لا تدع الصلاة لوقتها فإنها ذمة الله ، و لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر " .
قوله : " و بالوالدين إحساناً " يريد البر بهما مع اللطف و لين الجانب ، و لا يغلظ لهما الجواب ، و لا يحد النظر إليهما ، و لا يرفع صوته عليهما ، بل يكون بين أيديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما . قوله : " و بذي القربى " قال يصلهم و يتعطف عليهم ، " و اليتامى " يرفق بهم و يدنيهم و يمسح رؤوسهم ، " و المساكين " ببذل يسير ورد جميل ، " و الجار ذي القربى " يعني الذي بينك و بينه قرابة فله حق القرابة و حق الجوار و حق الإسلام ، و " و الجار الجنب " هو الذي ليس بينك و بينه قرابة يقال رجل جنب إذا كان غريباً متباعداً أهله ، و قوم أجانب و الجنابة : البعد . " عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " . و " عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الجار ليتعلق بالجار يوم القيامة يقول : يا رب أوسعت على أخي هذا و اقترب علي ، أمسي طاوياً و يمسي هذا شبعان ، سله لم أغلق بابه و حرمني ما قد أوسعت به عليه " .
" و الصاحب بالجنب " قال ابن عباس و مجاهد : هو الرفيق في السفر له حق الجوار و حق الصحبة . " و ابن السبيل " : هو الضعيف يجب اقراؤه إلى أن يبلغ حيث يريد ، و قال ابن عباس : هو عابر السبيل تؤويه و تطعمه حتى يرحل عنك . " و ما ملكت أيمانكم " : يريد المملوك يحسن رزقه و يعفو عنه فيما يخطىء قوله : " إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً " ، قال ابن عباس : يريد بالمختال العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق الله ، و الفخور هو الذي يفخر على عباد الله بما خوله الله من كرامته و ما أعطاه من نعمه . " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : بينما رجل شاب ممن كان قبلكم يمشي في حلة مختالاً فخوراً إذ ابتلعته الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة " . و " عن أسامة قال : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من جر ثوبه خيلاً . لم ينظر الله إليه يوم القيامة " هذا ما ذكره الواحدي .
" و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عند خروجه من الدنيا في آخر مرضه يوصي بالصلاة ، و بالإحسان إلى المملوك ، و يقول : الله الله الصلاة و ما ملكت أيمانكم " .
و في الحديث : " حسن الملكة يمن و سوء الملكة شؤم " و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا يدخل الجنة سيء الملكة " .
قال " أبو مسعود رضي الله عنه : كنت أضرب مملوكاً لي بالسوط فسمعت من صوتاً من ورائي : اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام . قال ، قلت يا رسول الله لا أضرب مملوكاً لي بعده أبداً " . و في رواية سقط السوط من يدي من هيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و في رواية : فقلت هو حر لوجه الله ، فقال : " أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار يوم القيامة " رواه مسلم . و روى مسلم أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فكفارته أن يعتقه " ، و من حديث حكيم بن حزام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا " .
و في الحديث من ضرب بسوط ظلماً اقتص منه يوم القيامة ، و قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم كم نعفو عن الخادم ؟ قال : " في اليوم سبعين مرة " . و كان في يد النبي صلى الله عليه و سلم يوماً سواك فدعا خادماً له فأبطأ عليه فقال : : " لولا القصاص لضربتك بهذا السواك " ، و كان لأبي هريرة رضي الله عنه جارية زنجية فرفع يوماً عليها السوط فقال : لولا القصاص لأغشيتكيه و لكن سأبيعك لمن يوفيني ثمنك ، اذهبي فأنت حرة لوجه الله .
و جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إني قلت لأمتي يا زانية ، قال : " و هل رأيت عليها ذلك ؟ قالت : لا . أما أنها ستستقيد منك يوم القيامة فرجعت إلى جاريتها فأعطتها سوطاً ، و قالت : اجلديني . فأبت الجارية فأعتقتها ثم رجعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته بعتقها فقال : ( عسى ) أي عسى أن يكفر عتقك لها ما قذفتها به " .
و في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من قذف مملوكه و هو بريء مما قاله جلد يوم القيامة حداً إلا أن يكون كما قال " . و في الحديث " للملوك طعامه و كسوته و لا يكلف ما لا يطيق " . و كان صلى الله عليه و سلم يوصيهم عند خروجه من الدنيا و يقول : " الله الله في الصلاة و ما ملكت أيمانكم ، أطعموهم مما تأكلون و اكسوهم مما تكتسون ، و لا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون ، فإن كلفتموهم فأعينوهم و لا تعذبوا خلق الله ، فإنه ملككم إياهم و لو شاء لملكهم إياكم " .
و دخل جماعة على سلمان الفارسي رضي الله عنه و هو أمير على المدائن فوجدوه يعجن عجين أهله ، فقالوا له : ألا تترك الجارية تعجن ؟ فقال رضي الله عنه : إنا أرسلناها في عمل فكرهنا أن نجمع عليها عملاً آخر . و قال بعض السلف : لا تضرب الملوك في كل ذنب و لكن احفظ له ذلك ، فإذا عصى الله فاضربه على معصية الله و ذكره الذنوب التي بينك و بينه .
( فصل ) و من أعظم الإساءة إلى الملوك و الجارية التفريق بينه و بين ولده ، أو بينه و بين أخيه لما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " من فرق بين والدة و ولدها فرق الله بينه و بين أحبته يوم القيامة " . قال علي كرم الله وجهه : " وهب لي رسول الله صلى الله عليه و سلم غلامين أخوين فبعث أحدهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رده رده " و من ذلك أن يجوع الملوك و الجارية و الدابة . يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته " . و من ذلك أن يضرب الدابة ضرباً وجيعاً أو يحبسها و لا يقوم بكفايتها ، أو يحملها فوق طاقتها فقد روي في تفسير قول الله تعالى : " و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " الآية . قيل : يؤتى بهم و الناس وقوف يوم القيامة فيقضي بينهم ، حتى أنه ليؤخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء حتى يقاد للذرة من الذرة ، ثم يقال لهم : كونوا تراباً ، فهنالك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا . و هذا من الدليل على القضاء بين البهائم و بينها و بين بني آدم ، حتى إن الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوعها أو عطشها أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بقدر ما ظلمها أو جوعها و الدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عذبت امرأة في هرة ربطتها حتى ماتت جوعاً لا هي أطعمتها و سقتها إذ حبستها ، و لا تركتها تأكل من خشاش الأرض " أي من حشراتها .
و في الصحيح " أنه صلى الله عليه و سلم رأى امرأة معلقة في النار و الهرة تخدشها في وجهها و صدرها و هي تعذبها كما عذبتها في الدنيا بالحبس و الجوع ، و هذا عام في سائر الحيوان ، و كذلك إذا حملها فوق طاقتها تقتص منه يوم القيامة لما ثبت في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت : إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث " . فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها بأنها لا تؤذى و لا تستعمل في غير ما خلقت له ، فمن كلفها غير طاقتها أو ضربها بغير حق فيوم القيامة تقتص منه بقدر ضربه و تعذيبه
قال أبو سليمان الداراني : ركبت مرة حماراً فضربته مرتين أو ثلاثاً ، فرفع رأسه و نظر إلي و قال يا أبا سليمان هو القصاص يوم القيامة فإن شئت فأقلل و إن شئت فأكثر : قال : فقلت لا أضرب شيئاً بعده أبداً .
و مر ابن عمر بصبيان من قريش قد نصبوا طيراً و هم يرمونه و قد جعلوا لصاحبه كل خاطئة من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال من فعل هذا ؟ " لعن الله من فعل هذا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن من اتخذ فيه الروح غرضاً و الغرض كالهدف و ما يرمى إليه " . و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم " أن تصبر البهائم يعني أن تحبس للقتل " ، و إن كان مما أذن الشرع بقتله كالحية و العقرب و الفأرة و الكلب العقور ، قتله بأول دفعة و لا يعذبه لقوله عليه الصلاة و السلام " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته " .
و كذلك لا يحرقه بالنار لما ثبت في الحديث الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً و فلاناً بالنار ، و إن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما" .
قال ابن مسعود : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفره فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحمرة فجعلت ترفرف ، فجاء النبي صلى الله عليه و سلم و قال : من فجع هذه بولدها ؟ ردوا عليها ولديها " ، و رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم قرية نمل ـ أي مكان نمل ـ قد أحرقناها فقال : " من حرق هذه ؟ قلنا : نحن ، فقال عليه الصلاة و السلام : إنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا ربها " . و فيه من النهي عن القتل و التعذيب بالنار حتى في القملة و البرغوث و غيرهما .
فصل : و يكره قتل الحيوان عبثاً لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله يوم القيامة ، و قال : يا رب سل هذا لم قتلني عبثاً و لم يقتلني لمنفعة ؟ " .
و يكره صيد الطير أيام فراخه لما روي ذلك في الأثر ، و يكره ذبح الحيوان بين يدي أمه لما روي عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله ، قال : ذبح رجل عجلاً بين يدي أمه فأيبس الله يده .
فصل : في فضل عتق المملوك . " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو من أعضائه عضواً من أعضائه من النار حتى يعتق فرجه بفرجه " أخرجه البخاري .
و " عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : أيما امرىء مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكاً له من النار يجزى كل عضو منه عضواً منه ، و أيما امرىء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزي كل عضوين منهما عضواً منه ، و أيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة إلا كانت فكاكها من النار يجزى كل عضو منها " رواه الترمذي و صححه .
اللهم اجعلنا من حزبك المفلحين و عبادك الصالحين .
[right]الكبيرة الرابعة : في ترك الصلاة
قال الله تعالى : " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب و آمن و عمل صالحاً " .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ، و لكن أخروها عن أوقاتها . و قال سعيد بن المسيب إمام التابعين رحمه الله : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر . و لا يصلي العصر إلى المغرب ، و لا يصلي المغرب إلى العشاء ، و لا يصلي العشاء إلى الفجر ، و لا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس . فمن مات و هو مصر على هذه الحالة و لم يتب وعده الله بغي ، و هو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه . و قال الله تعالى في آية أخرى : " فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون " أي غافلون عنها ، متهاونون بها . و قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال : " هو تأخير الوقت " أي تأخير الصلاة عن وقتها ، سماهم مصلين لكنهم لما تهاونوا و أخروها عن وقتها وعدهم بويل و هو شدة العذاب . و قيل : هو واد بجهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره ، و هو مسكن من يتهاون بالصلاة و يؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله و يندم على ما فرط . و قال الله تعالى في آية أخرى : " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله ، و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " .
قال المفسرون : المراد بذكر الله في هذه الآية الصلوات الخمس . فمن اشتغل بماله في بيعه و شرائه و معيشته و ضيعته و أولاده عن الصلاة في وقتها كان من الخاسرين . و هكذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح و أنجح ، و إن نقصت فقد خاب و خسر " .
و قال الله تعالى مخبراً عن أصحاب الجحيم :
" ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * و لم نك نطعم المسكين * و كنا نخوض مع الخائضين * و كنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين " .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم : " العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : " بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة " . حديثان صحيحان .
و في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من فاتته صلاة العصر حبط عمله " . و في السنن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله " و قال صلى الله عليه و سلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله " متفق عليه . و قال صلى الله عليه و سلم : " من حافظ عليها كانت له نوراً و برهاناً و نجاة يوم القيامة ، و من لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً و لا برهاناً و لا نجاة يوم القيامة و كان يوم القيامة مع فرعون و قارون و هامان و أبي بن خلف " .
و قال عمر رضي الله عنه : أما أنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة .
قال بعض العلماء رحمهم الله : و إنما يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة ، لأنه إنما يشتغل عن الصلاة بماله أو بملكه أو بوزارته أو بتجارته فإن اشتغل بماله حشر مع قارون ، و إن اشتغل بملكه حشر مع فرعون ، و إن اشتغل بوزارته حشر مع هامان ، و إن اشتغل بتجارته حشر مع أبي بن خلف تاجر الكفار بمكة . و روى الإمام أحمد " عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله عز و جل " .
و روى البيهقي بإسناده : " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى في الإسلام ؟ قال الصلاة لوقتها ، و من ترك الصلاة فلا دين له ، و الصلاة عماد الدين " و لما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له : الصلاة يا أمير المؤمنين قال : نعم أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة . و صلى رضي الله عنه و جرحه يثعب دماً . و قال عبد الله بن شقيق التابعي رضي الله عنه : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرون من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . و سئل علي رضي الله عنه عن امرأة لا تصلي ، فقال : من لم يصلي فهو كافر . و قال ابن مسعود رضي الله عنه من لم يصل فلا دين له . و قال ابن عباس رضي الله عنهما : من ترك صلاة واحدة متعمداً لقي الله تعالى و هو عليه غضبان . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من لقي الله و هو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته ـ أي ما يفعل و ما يصنع بحسناته ـ إذا كان مضيعاً للصلاة " . و قال ابن حزم : لا ذنب بعد الشرك أعظم من تأخير الصلاة عن وقتها ، و قتل مؤمن بغير حق . و قال إبراهيم النخعي : من ترك الصلاة فقد كفر ، و قال أيوب السختياني مثل ذلك . و قال عون بن عبد الله : إن العبد إذا أدخل قبره سئل عن الصلاة أول شيء يسأل عنه ، فإن جازت له نظر فيما دون ذلك من عمله ، و إن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد . و قال صلى الله عليه و سلم : " إذا صلى العبد الصلاة في أول الوقت صعدت إلى السماء و لها نور حتى تنتهي إلى العرش فتستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة و تقول : حفظك الله كما حفظتني . و إذا صلى العبد الصلاة في غير وقتها صعدت إلى السماء و عليها ظلمة ، فإذا انتهت إلى السماء تلف كما يلف الثوب الخلق و يضرب بها وجه صاحبها ، و تقول : ضيعك الله كما ضيعتني . " . و روى أبو داود في سننه :
" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاتهم ـ من تقدم قوماً و هم له كارهون ، و من استعبد محرراً ، و رجل أتى الصلاة دباراً " و الدبار أن يأتيها بعد أن تفوته . و جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر " فنسأل الله التوفيق و الإعانة إنه جواد كريم و أرحم الراحمين .
فصل ـ متى يؤمر الصبي بالصلاة :
روى أبو داود في السنن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " . و في رواية : " مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر . و فرقوا بينهم في المضاجع " .
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله : هذا الحديث يدل على إغلاظ العقوبة له إذا بلغ تاركاً لها .
و كان بعض أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمداً بعد البلوغ ، و يقول : إذا استحق الضرب و هو غير بالغ ، فيدل على أنه يستحق بعد البلوغ من العقوبة ما هو أبلغ من الضرب و ليس بعد الضرب شيء أشد من القتل .
و قد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم تارك الصلاة ، فقال مالك و الشافعي و أحمد ، رحمهم الله : تارك الصلاة يقتل ضرباً بالسيف في رقبته . ثم اختلفوا في كفره إذا تركها من غير عذر حتى يخرج وقتها ، فقال إبراهيم النخعي و أيوب السختياني و عبد الله بن المبارك و أحمد بن حنبل و اسحاق بن راهوية : هو كافر . و استدلوا بقول النبي صلى الله عليه و سلم : " العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " . و بقوله صلى الله عليه و سلم : " بين الرجل و بين الكفر ترك الصلاة " .
فصل ـ . و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى بالرجل فيوقف بين يدي الله عز و جل فيأمر به إلى النار ، فيقول : يا رب لماذا ؟ فيقول الله تعالى : لتأخير الصلاة عن أوقاتها و حلفك بي كاذباً .
وعن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يوماً لأصحابه : " اللهم لا تدع فينا شقياً و لا محروما . " ثم قال صلى الله عليه و سلم : " أتدرون من الشقي المحروم ؟ قالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : تارك الصلاة " .
و روي أنه أول من يسود يوم القيامة وجوه تاركي الصلاة ، و أن في جهنم وادياً يقال له الملحم فيه حيات ، كل حية ثخن رقبة البعير ، طولها مسيرة شهر تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى لحمه .
حكاية : روي أن امرأة من بني إسرائيل جاءت إلى موسى عليه السلام فقالت : يا رسول الله إني أذنبت ذنباً عظيماً و قد تبت منه إلى الله تعالى ، فادع الله أن يغفر لي ذنبي و يتوب علي : فقال لها موسى عليه السلام : و ما ذنبك ؟ قالت : يا نبي الله إني زنيت و ولدت ولداً فقتلته فقال لها موسى عليه السلام : اخرجي يا فاجرة لا تنزل نار من السماء فتحرقنا بشؤمك ، فخرجت من عنده منكسرة القلب ، فنزل جبريل عليه السلام و قال : يا موسى الرب تعالى يقول لك لما رددت التائبة يا موسى ، أما وجدت شراً منها ، قال موسى : يا جبريل و من هو شر منها ؟ قال : تارك الصلاة عامداً متعمداً .
حكاية أخرى عن بعض السلف أنه أتى أختاً له ماتت ، فسقط كيس منه فيه مال في قبرها فلم يشعر به أحد حتى انصرف عن قبرها ، ثم ذكره فرجع إلى قبرها فنبشه بعدما انصرف الناس ، فوجد القبر يشعل عليها ناراً فرد التراب عليها و رجع إلى أمه باكياً حزيناً فقال : يا أماه أخبريني عن أختي و ما كانت تعمل ؟ قالت : و ما سؤالك عنها ؟ قال : يا أمي رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً . قال : فبكت و قالت يا ولدي كانت أختك تتهاون بالصلاة و تؤخرها عن وقتها . فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها ، فكيف حال من لا يصلي ؟ فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها في أوقاتها إنه جواد كريم .
فصل : في عقوبة من ينقر الصلاة و لا يتم ركوعها و لا سجودها ، و قد روي في تفسير قول الله تعالى : " فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون " . أنه الذي ينقر الصلاة و لا يتم ركوعها و لا سجودها .
و ثبت في الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلاً دخل المسجد و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس فيه ، فصلى الرجل ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ، ثم قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل . فرجع فصلى كما صلى ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع فصلى كما صلى ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ، و قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات . فقال في الثالثة : و الذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني. فقال صلى الله عليه و سلم : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، و افعل ذلك في صلاتك كلها " . و روى الإمام أحمد رضي الله عنه عن البدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع و السجود " و رواه أبو داود أيضاً و الترمذي ، و قال : حديث حسن صحيح . و في رواية أخرى : " حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود " .
و هذا نص عن النبي صلى الله عليه و سلم في أن من صلى و لم يقم ظهره بعد الركوع و السجود كما كان ، فصلاته باطلة ، و هذا في صلاة الفرض و كذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه .
و ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته : قيل و كيف يسرق من صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها و لا سجودها و لا القراءة فيها " .
و روى الإمام أحمد " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه و سجوده " .
و قال صلى الله عليه و سلم : " تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .
و عن أبي موسى قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً بأصحابه ثم جلس ، فدخل رجل فقام يصلي ، فجعل يركع و ينقر سجوده ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" ترون هذا لو مات مات على غير ملة محمد صلى الله عليه و آله و سلم ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم ! " أخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه .
و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :" ما من مصل إلا و ملك عن يمينه و ملك عن يساره ، فإن أتمها عرجا بها إلى الله تعالى ، و إن لم يتمها ضربا بها وجهه " .
و روى البيهقي بسنده عن " عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من توضأ أحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها و سجودها و القراءة فيها قالت الصلاة : حفظك الله كما حفظتني ، ثم صعد بها إلى السماء و لها ضوء و نور ، ففتحت لها أبواب السماء حتى ينتهي بها إلى الله تعالى فتشفع لصاحبها . و إذا لم يتم ركوعها و لا سجودها و لا القراءة فيها قالت الصلاة : ضيعك الله كما ضيعتني ، ثم صعد بها إلى السماء و عليها ظلمة ، فأغلقت دونها أبواب السماء ، ثم تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها " .
و " عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصلاة مكيال ، فمن وفي وفي له ، و من طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين : قال الله تعالى : " ويل للمطففين " و المطفف هو المنقص للكيل أو الوزن أو الذراع أو الصلاة ، وعدهم الله بويل و هو واد في جهنم تستغيث جهنم من حره ، نعوذ بالله منه " .
و " عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا سجد أحدكم فليضع وجهه و أنفه و يديه على الأرض فإن الله تعالى أوحى إلي أن أسجد على سبعة أعضاء : الجبهة و الأنف و الكفين و الركبتين ، و صدور القدمين ، و أن لا أكف شعراً و لا ثوباً ، فمن صلى و لم يعطي كل عضو منها حقه لعنه ذلك العضو حتى يفرغ من صلاته " .
و روى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يصلي و لا يتم ركوع الصلاة و لا سجودها فقال له حذيفة صليت و لو مت و أنت تصلي هذه الصلاة ، مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه و سلم .
و في رواية أبي داود أنه قال : منذ كم تصلي هذه الصلاة ؟ قال : منذ أربعين سنة . قال : ما صليت منذ أربعين سنة شيئاً ، و لو مت مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه و آله سلم !
و كان الحسن البصري يقول : يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك و أنت أول ما تسأل عنها يوم القيامة كما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم : " أول ما يحاسب العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح و أنجح ، و إن فسدت فقد خاب و خسر ، فإن انتقص من الفريضة شيء يقول الله تعالى : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله كذلك " .
فينبغي للعبد أن يستكثر من النوافل حتى يكمل به ما انتقص من فرائضه و بالله التوفيق .
الإثنين ديسمبر 30, 2013 11:55 am من طرف roory
» الربيع العربي
الجمعة مارس 16, 2012 6:04 am من طرف سيد محمد عبد الموجود
» تعلم لغة برايل خطوة بخطوة
السبت مارس 03, 2012 12:17 pm من طرف Admin
» لغة برايل فى 4 ورقات
السبت مارس 03, 2012 11:53 am من طرف Admin
» طيف الحبيبة
السبت مارس 03, 2012 11:34 am من طرف Admin
» اختيار صديق لابن المقفع
السبت فبراير 04, 2012 8:29 pm من طرف سيد محمد عبد الموجود
» في عيد الثورة المصرية
السبت فبراير 04, 2012 7:38 pm من طرف سيد محمد عبد الموجود
» الفصل السادس عشر " فرحة اللقاء "
السبت يناير 21, 2012 12:34 am من طرف ناصر المتولى
» أمير الشعر
الجمعة يناير 20, 2012 5:37 pm من طرف ناصر المتولى