مقدمة:
الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب (ولد 1138 - 1193م)، مؤسس الدولة الأيوبية في مصر والشام، أمتد سلطانه إلى شمال العراق وإلى بلاد اليمن. اشتهر بلقبه السابق صلاح الدين في سوريا قبل أن يصبح سلطاناً لمصر وتسمى بالملك الناصر.
مولده
السلطنة الأيوبية تحت حكم صلاح الدين
ولد صلاح الدين في تكريت عام 532 هـ/1138م في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان والياً عليها، ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا، وبحسب ابن الأثير فإن نسبه يعود إلى الأكراد الروادية، بينما نقل المؤرخ جمال الدين محمد بن سالم ما نسبه للأيوبيين أنهم قالوا: "انما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم"، وعن الأيوبيون ملوك اليمن أنهم قالوا بنسبتهم إلى بني أمية[2]، أما الأيوبيون ملوك دمشق فأنهم أثبتوا نسبهم إلى بني مرة بن عوف من بطون غطفان وقد أحضر هذا النسب على المعظم عيسى بن أحمد صاحب دمشق.
وقد شرح الحسن بن داود الأيوبي في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية" ما قيل عن نسب أجداده وقطع أنهم ليسوا أكرادًا، بل نزلوا عندهم فنسبوا إليهم. وقال: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذا النسب".
كما أن الحسن بن داوود قد رجَّح في كتابه صحة شجرة النسب التي وضعها الحسن بن غريب، والتي فيها نسبة العائلة إلى أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي علي (محمد) بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمروبن مُرَّة بن عُوف بن أسامة بن بَيْهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مُرّة بن نَشبَة بن غَيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب بن فِهر (وهوجد قريش).
وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلى بعلبك حيث أصبح والياً عليها مدة سبع سنوات وانتقل إلى دمشق وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث قضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ملك دمشق [4]. وكان من القادة في جيش نور الدين، أرسله نور الدين من دمشق في الحملات في الشام وإلى مصر ليستكمل عمل عمه أسد الدين شيركوه على رأس الجيش التي ارسله من دمشق لمواجهة الصليبين في الشام وفي مصر بسط سيطرته عليها والعمل على صد الحملة الصليبية، وفي ذات الوقت ليستكمل انتزاعها من الفاطميين الذين كانت دولتهم في أفول، فنجح في عرقلة هجوم الصليبيين سنة 1169 بعد موت عمه شيركوه، وقمع تمرداً للجنود الزنوج، كما فرض نفسه كوزير للخليفة للعاضد، فكان صلاح الدين هوالحاكم الفعلي لمصر.
بدايته
كان الوزير الفاطمي شاور قد فر من مصر هرباً من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة وقتل ولده الأكبر طيء بن شاور فتوجه شاور إلى الشام مستغيثا بالملك نور الدين زنكي في دمشق وذلك في شهر رمضان 558ھ ودخل دمشق في 23 من ذي القعدة من السنة نفسها فوجه نور الدين معه أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدين في جملتهم في خدمة عمه وخدمة جيش الشام وهو كاره للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان؛ قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه مستصرخا، وأنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
وكان نور الدين كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته وأمانته فانتدبه لذلك وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق على رأس الجيش وفي جمادى الأولى سنة 559ھ فدخلوا مصر وسيطروا عليها واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها.
ولما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه في بلبيس، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها. ولكن تحت ضغط من هجمات مملكة القدس الصليبية والحملات المتتالية على مصر بالإضافة إلى قلة عدد الجنود الشامية أجبر على الانسحاب من مصر. واعاد الملك نور الدين بن عماد الدين زنكي بأرسال الجيش من دمشق لمجابهة الصليبين. وبلغ إلى علم نور الدين في دمشق وكذلك أسد الدين مكاتبة الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على مصر أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد هناك فتجهز أسد الدين في قيادة الجيش وخرج من دمشق وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق شاور والمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد الدين وجرت حروب كثيرة.
وتوجه صلاح الدين في قيادة الجيش إلى الإسكندرية فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الآخرة من سنة 562ھ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيد إلى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى دمشق.
عاد أسد الدين من دمشق إلى مصر مرة ثالثة وكان سبب ذلك أن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع أسد الدين طمعا في البلاد فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين في الشام لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصر أما نور الدين فبالمال والجيش ولم يمكنه المسير بنفسه للتصدي لاي محاولة من قبل الإفرنج، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله وسار الجيش.
يقول بن شداد:
«لقد قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت من دمشق مع عمي باختياري وهذا معنى قول القرآن "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"» (البقرة:216)
وكان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين في دمشق الشام يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 564ھ ولما علم الإفرنج بوصول أسد الدين على رأس الجيش من دمشق إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد الدين أن شاور يلعب به تارة وبالإفرنج أخرى، وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564ھ ودام آمرا وناهيا وصلاح الدين يباشر الأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد الدين.
ولما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع الآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إن نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم نزل الإفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم من داخل فانتصر عليهم فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.
في 1170 أغار صلاح الدين على غزة التي كان يسيطر عليها الصليبيون، وفي السنة التالية انتزع أيلة من مملكة بيت المقدس الصليبية وأغار على مقاطعتي شرق نهر الأردن وقلاع الشوبك والكرك.
تأسيس الدولة
في البداية لم يكن مركز صلاح الدين في مصر مستقرا بسبب الاضطراب الذي سببه توالي عدد كبير من الخلفاء الفاطميين في مدد قصيرة، تحكم في قراراتهم سلسلة من الوزراء.
بعد موت العاضد سنة 1171، دفع صلاح الدين العلماء إلى المناداة بالمستضيء العباسي خليفة والدعاء له في الجمعة والخطبة باسمه من على المنابر، وبهذا انتهت الخلافة الفاطمية في مصر، وحكم صلاح الدين مصر كممثل لنور الدين الذي كان في النهاية يقر بخلافة العباسيين.
حدّث صلاح الدين اقتصاد مصر، وأعاد تنظيم الجيش مستبعداً العناصر الموالية للفاطميين، واتبع نصيحة أبيه أيوب بألا يدخل في مواجهة مع نور الدين الذي كان يدين له رسميًا بالولاء. لكن بعد موت نورالدين سنة 1174 اتخذ صلاح الدين لقب "سلطان" في مصر مؤسساً الأسرة الأيوبية، ومادًا نفوذه في اتجاه المغرب العربي.
اليمن
كان شيركوه عندما انطلق إلى جنوب مصر للقضاء على مقاومة مؤيدي الفاطميين قد واصل الاتجاه جنوبا بحزاء البحر الأحمر باسطا نفوذه على اليمن ومُدخلها تحت حكم الأيوبيين.
سلطان سوريا
كان صلاح الدين قد تراجع في مناسبتين عن غزو مملكة بيت المقدس، وذلك في عامي 1170 و1172 حيث كان يسعى للإبقاء على امن بلاد مصر والنوبة، فكاد هذا يكون سببا في وقوع مواجهة مباشرة مفتوحة بين صلاح الدين ونورالدين إلا أن موت نورالدين حسم المسألة، وكان ابنه الصالح إسماعيل طفلا، فسار صلاح الدين إلى دمشق فدخلها واستقبل فيها بترحاب بينما انتقل الصالح إسماعيل إلى حلب وظل يقاوم حتى مقتله سنة 1181.
في دمشق توج السلطان صلاح الدين وعضّد مُلكه بالزواج من أرملة نورالدين، عصمت الدين خاتون، ثم بسط نفوذه على حلب والموصل عامي 1176 و1177 على الترتيب، وبينما كان يحاصر حلب يوم 22 مايو 1176 حاول الحشاشون اغتياله، فأجروا محاولتين كانت ثانيهما وشيكة إلى حد أنه أصيب. بعد ذلك فرض صلاح الدين نفوذه على الجزيرة في شمال العراق وأخضع الزنكيين في الموصل وسنجار والأرتوقيين في ماردين وديار بكر، كما بسط نفوذه على الحجاز.
محاولة الباطنية اغتياله
يقول أبو شامة المقدسي في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين: "لما فتح السلطان حصن بزاعة ومنبج أيقن من بجلب بخروج مافي أيديهم من المعاقل، والقلاع، فعادوا إلى عادتهم في نصب الحبائل للسلطان. فكاتبوا سناناً صاحب الحشيشية مرة ثانية، ورغبوه بالأموال والمواعيد، وحملوه على البتاع فأرسل، لعنه الله، جماعة من أصحابه فجاءوا بزي الأجناد، ودخلوا بين المقاتلة وباشروا الحرب وأبلوا فيها أحسن البلاء، وامتزجوا بأصحاب السلطان لعلهم يجدون فرصة ينتهزونها. فبينما السلطان يوماً جالس في خيمة جاولي، والحرب قائمة والسلطان مشغول بالنظر إلى القتال، إذ وثب عليه أحد الحشيشية وضربه بسكينة على رأسه، وكان محترزاً خائفاً من الحشيشية، لايترع الزردية عن بدنه ولاصفائح الحديد عن رأسه؛ فلم تصنع ضربة الحشيشي شيئا لمكان صفائح الحديد وأحس الحشيشي بصفائح الحديد على رأس السلطان فسبح يده بالسكينة إلى خد السلطان فجرحه وجرى الدم على وجهه؛ فتتعتع السلطان بذلك.
ولما رأى الحشيشي ذلك هجم على السلطان وجذب رأسه، ووضعه على الأرض وركبه لينحره؛ وكان من حول السلطان قد أدركهم دهشة أخذت عقولهم. وحضر في ذلك الوقت سيف الدين يازكوج، وقيل إنه كان حاضرا، فاخترط سيف وضرب الحشيشي فقتله. وجاء آخر من الحشيشية أيضا يقصد السلطان، فاعترضه الأمير داود بن منكلان الكردي وضربه بالسيف، وسبق الحشيشي إلى ابن منكلان فجرحه في جبهته، وقتله ابن منكلان، ومات ابن منكلان من ضربة الحشيشي بعد أيام. وجاء آخر من الباطنية فحصل في سهم الأمير علي بن أبي الفوارس فهجم على الباطني ودخل الباطني فيه ليضربه فأخذه علي تحت إبطه، وبقيت يد الباطني من ورائه لايتمكن من ضربه، فصاح علي: اقتلوه واقتلوني معه، فجاء ناصر الدين محمد بن شيركوه فطعن بطن الباطني بسيفه، وما زال يخضخضه فيه حتى سقط ميتا ونجا ابن أبي الفوارس. وخرج آخر من الحشيشية منهزما، فلقيه الأثير شهاب الدين محمود، خال السلطان فتنكب الباطني عن طريق شهاب الدين فقصده أصحابه وقطعوه بالسيوف.
وأما السلطان فإنه ركب من وقته إلى سرادقه ودمه على خده سائل، وأخذ من ذلك الوقت في الاحتراس والاحتراز، وضرب حول سرادقه مثال الخركاه، ونصب له في وسط سرادقه برجا من الخشب كان يجلس فيه وينام، ولايدخل عليه إلا من يعرفه، وبطلت الحرب في ذلك اليوم، وخاف الناس على السلطان. واضطرب العسكر وخاف الناس بعضهم من بعض، فألجأت إلى ركوب السلطان ليشاهده الناس، فركب حتى سكن العسكر."
الإثنين ديسمبر 30, 2013 11:55 am من طرف roory
» الربيع العربي
الجمعة مارس 16, 2012 6:04 am من طرف سيد محمد عبد الموجود
» تعلم لغة برايل خطوة بخطوة
السبت مارس 03, 2012 12:17 pm من طرف Admin
» لغة برايل فى 4 ورقات
السبت مارس 03, 2012 11:53 am من طرف Admin
» طيف الحبيبة
السبت مارس 03, 2012 11:34 am من طرف Admin
» اختيار صديق لابن المقفع
السبت فبراير 04, 2012 8:29 pm من طرف سيد محمد عبد الموجود
» في عيد الثورة المصرية
السبت فبراير 04, 2012 7:38 pm من طرف سيد محمد عبد الموجود
» الفصل السادس عشر " فرحة اللقاء "
السبت يناير 21, 2012 12:34 am من طرف ناصر المتولى
» أمير الشعر
الجمعة يناير 20, 2012 5:37 pm من طرف ناصر المتولى